حياة حافلة
ما بين قول الله له: {اقرأ}، إلى قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم}، عاش النبي حياة النبوة والرسالة.
أولا: عالم من العبادة: الصلاة، الصيام، الذكر، الجهاد.
ثانيا: عالم من الزهد: في مسكنه.. في مطعمه.. في ملبسه.. وفي ميراثه.
ثالثا: عالم من المعجزات: الجذع، الاستسقاء، القمر، الطعام.
رابعا: عالم من الأخلاق: في صبره، وتواضعه، وشجاعته، وكرمه.
خامسا: عالم من التربية: مع المرأة، مع الأسرة، مع الزوجة، مع الطفل.
أولا: عالم من العبادة
1ـ أما عن صلاته: فحدث ولا حرج، كان يقرأ في الركعة الواحدة بالبقرة والنساء وآل عمران، فيقف عند كل خير فيسأل الله، وعند كل آية عذاب فيستعيذ بالله ويسأله عفوه، ثم يركع فإذا ركوعه قريبًا من وقوفه، ويرفع مثل ذلك ويسجد نحوًا من ذلك.
وكان يصلي لله حتى تتشقق قدماه، وتتفطر دمًا، فإذا سئل عن ذلك قال: “أفلا أكون عبدًا شكورًا؟”. فيا من تزهدون في الصلاة وتستعجلون الخروج منها ليكن لكم في رسول الله أسوة حسنة.
2ـ وأما صيامه: فكان يصوم الأيام والليالي المتواليات مواصلاً لا يأكل في ليل ولا نهار، فيقول له أصحابه: إنك تواصل – يريدون أن يفعلوا مثله – فقال: “إني لست مثلكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني”.
قال ابن القيم: لا يطعمه طعامًا حسيًّا وإلا لم يكن صائمًا، وإنما يطعمه اللطائف والمعارف والحكم والفتوحات الربانية.
فقوت الــــروح أرواح المعـــاني *** وليس بأن طعمت وأن شربتا
لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الطعــام وتلهيها عن الزاد
3ـ وأما جهاده: فهو البطل المقدام والشجاع النحرير، يفر الكماة والأبطال وهو ثابت لا يفر.. فر عنه أصحابه يوم أحد فبقى في نفر قليل لم يتراجع ولم يتزعزع، وفروا عنه يوم حنين فجعل يضرب وجوه الكفار وحده ويقول: “أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب“.
يقول علي رضي الله عنه: كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.(صححه الألباني)
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة *** أدبت في هول الردى أبطالها
وإذا نطقت صدقت فيما قلته *** لا من يكذب فعلها أقوالها
تمر بك الأبطال ترمى هزيمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم
ثانيا: عالم من الزهد:
1ـ أما مسكنه: فيحدثك عنه الحسن البصري يقول: دخلت حجر بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ولو شئت أن أمس السقف بيدي لمسسته.
دخل عليه عمر فلم يجد في البيت شيئًا يرفع إليه البصر ووجد الحصير قد أثر في جنبه الشريف، فبكى وقال: يارسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هم فيه من النعمة وأنت رسول الله وهذا حالك؟ قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟!
وهو القائل صلى الله عليه وسلم: “ما لي وللدنيا وما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها”.
2ـ أما طعامه: فتقول عائشة رضي الله عنها: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع نساؤه من خبز الشعير 3 أيام. وكان يمر اليوم واليومان ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يملأ به بطنه من الدقل. وقالت رضي الله عنها لعروة بن الزبير: كان يمر الهلال تلو الهلال تلو الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قال: فما كان طعامكم يا خالة؟ قالت: الأسودان التمر والماء.
3ـ وأما ميراثه: فمات ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل طعام يطعمه لأهله. هذا وهو الذي ملك الدنيا ولكنه زهد فيها ووزعها على أتباعه، فأعطى رجلاً مائة من الإبل وذاك مائة، وأعطى رجلاً مرة غنمًا بين جبلين، وفي الأخير قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
ثالثا: عالم من المعجزات:
يظن بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ليست عنده إلا معجزة القرآن، ولعمري إنها لأعظم معجزة، ولكنها ليست الوحيدة، بل إن معجزاته كثيرة كثيرة، وما أعطى الله نبيًا من أنبيائه معجزة إلا وأعطى من جنسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أعظم منها؛ فلئن كان أحيا لعيسى الموتى من الناس فلقد أنطق له@