في وقت يشهد فيه العالم ثورات صناعية وتقدماً غير مسبوق:
أمراض الصدر والعيون عند الأطفال نتاج طبيعي للتلوث البيئي!!
الربو وتأثير الجو عليه
كعامل من العوامل التي لها علاقة بالصحة والمرض يعتبر التلوث واحداً من أهمها وأشدها خطورة. وهو لا يشمل فقط التلوث المادى بل إنه يشمل كذلك بمعناه العام التلوث الصوتي الناتج عن الضوضاء التي تصدر عن آلات المصانع والطائرات والحفارات والتفجيرات وحركات النقل على الطرق وخصوصاً في المدن، كما يشمل الاهتزازات التي تحدث نتيجة لحركة الآلات الثقيلة على الطرق وفي المصانع وغيرها، فهذه كلها لها آثارها الضارة على الأعصاب والأذن والأحوال النفسية، ومع ذلك فإن كلامنا هنا سيكون مقصوراً على التلوث المادى الذي يحدث في المتطلبات الأساسية للحياة وهي الهواء والماء والغذاء.
وينقسم هذا التلوث على أساس مصادره إلى قسمين كبيرين أحدهما طبيعي والآخر بشري، والأول منهما وهو التلوث الطبيعي قديم قدم الأرض، ولهذا فإنه لا يشكل إلا جانباً محدوداً من مشكلات التلوث المعنية في الوقت الحاضر، بينما يشكل التلوث البشري الجانب الأساسي منها، بسبب التزايد المستمر في مسبباته ومعدلاته حتى أنه أصبح يشكل خطراً حقيقياً لا على حياة الانسان وحده، بل على محاصيله وحيواناته، ولهذا فبينما كان الاهتمام مركزاً حتى أوائل هذا القرن (العشرين) على دراسة الأمراض المعدية، فقد أصبح جانبا رئيسيا من هذا الاهتمام موجها إلى دراسة الأمراض التي تفاقمت أخطارها بسبب تلوث البيئة وتزايد السموم التي تضاف يوماً بعد يوم إلى كل مظهر من مظاهرها مثل أمراض السرطان وخصوصاً سرطان الرئة وأمراض القلب والدورة الدموية وقرحة المعدة والأمعاء. فعلى حسب تقدير هيئة الصحة العالمية مثلاً فإن 75% من حالات السرطان الجديدة التي تظهر في الوقت الحاضر سببها عوامل بيئية من بينها التلوث.
التلوث البشري:
رغم أن هذا التلوث قد بدأ منذ أن بدأ الانسان يمارس نشاطه على سطح الأرض، وخصوصاً بعد أن اكتشف النار وبدأ يستخدمها في مختلف الأغراض فإن أخطاره الحقيقية لم تبدأ إلا منذ أن بدأت النهضة الصناعية في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر، حيث كان الفحم وقتئذ هو المصدر الرئيس للطاقة، وكان الدخان الناتج من احتراقه يلوث جو المدن الصناعية بدرجة تشكل خطورة كبيرة على الصحة العامة، مما دفع المسؤولين في الدول الصناعية الأوروبية إلى أن يبحثوا عن الوسائل التي يمكن بها تقليل أخطار هذا التلوث.
فوضعت بعض القوانين التي تلزم أصحاب المصانع بأن يتبعوا أساليب معينة لإبعاد الدخان المتصاعد من مصانعهم عن الأحياء السكنية. وكان من بين المقترحات التي ظهرت في ذلك الوقت أن تكون مداخن المصانع عالية بدرجة لا تسمح للدخان المتصاعد منها بأن يصل إلى المساكن مباشرة.
ولم يكن التلوث عندئذ مقصوراً على تلوث الهواء بل إن مياه الكثير من الأنهار والقنوات والبحيرات قد أخذت هي الأخرى تتلوث نتيجة لاستخدامها في الشحن والنقل وإلقاء مخلفات المصانع بها حتى أصبح من المستحيل الاستفادة بمياه الكثير منها للشرب.
تلوث الهواء:
هذا التلوث هو أوسع أشكال التلوث انتشاراً، ولئن كان من الممكن تطهير المياه الملوثة، وتجنب الغذاء الملوث فإن تلوث الهواء يصعب علاجه والسيطرة عليه بسبب استحالة حصره في أماكن محدودة وبسبب التزايد المستمر في مسبباته ومعدلاته. وهو أمر لا يمكن إيقافه لأن يرتبط بنشاط الإنسان وتقدمه المستمر في مختلف المجالات الصناعية والزراعية والحضارية، ولئن كان النشاط المتزايد في كل هذه المجالات أمراً ضرورياً لا غنى عنه الصالح الإنسان فإن ما ينتج عنه من تلوث يمثل الضريبة العالية التي لابد أن تدفعها البشرية مقابل ما تستفيده من هذا النشاط.
التلوث الطبيعي للهواء:
لقد بدأ هذا التلوث منذ أن خلقت الأرض، وكانت مسبباته هي نفس مسبباته الحالية، ولكن من الوضح أن هذا التلوث يمثل جزءاً من التوازن البيئي الذي له علاقاته وفوائده وإصراره، فعلى الرغم من تسببه في بعض الأضرار للنبات والحيوان والإنسان فإن هذه الأضرار أقل في جملتها من أضرار التلوث البشري حتى ولو تسببت أحياناً في حدوث بعض الكوارث التي تنتج أحياناً من خروج الغازات السامة من فوهات البراكين فتؤدي أحياناً إلى كثير من الخسائر في الأرواح.
وأهم مسببات تلوث الهواء الطبيعي هي:
1- الثورانات البركانية، وقد كانت هذه الثورانات من غير شك أكثر حدوثاً في العصور الجيولوجية المختلفة منها في الوقت الحاضر. وتحتوي المقذوفات البركانية عادة على كميات كبيرة من الغازات الضارة مثل الغازات الكبريتية، كما تحتوي أحياناً على كميات كبيرة من الغبار الذي قد يبقى عالقاً بالجو لفترات طويلة، ومازال التلوث بالغازات البركانية السامة يحدث في الوقت الحاضر بشكل يؤدي، ولو في حالات قليلة جداً، إلى كوارث مروعة ، ومثال ذلك كارثة مدينة سان بيليه في جزر المارتيين بالبحر الكاريبي سنة 1902، حيث انفجر البركان المسمى باسمها والذي يبعد عنها بنحو ثمانية كيلو مترات، وخرجت كميات ضخمة من الغازات السامة المختلطة بمواد صلبة من فتحة في جانبه واندفعت بشكل سحابة حارقة اشتهرت بأسم "السحابة البيليه" نحو المدينة بسرعة هائلة فقضت في بعض ثوان على كل مظاهر الحياة النباتية والحيوانية في طريقها، بما في ذلك كل سكان هذه المدينة وعددهم حوالي ثلاثين ألفاً.
وتعتبر الأتربة والرمال الناعمة التي ترفعها التيارات الهوائية الصاعدة أو التي تنقلها الرياح من سطح الأراضى المكشوفة ذات التربة المفككة، مظهراً من مظاهر التلوث الطبيعي التي تنتشر انتشاراً واسعاً في الأقاليم الجافة وشبه الجافة، ومن أقوى مظاهرها العواصف الترابية والرملية التي قد تؤدى إلى نقل كميات ضخمة من الأتربة والرمال الناعمة إلى مراكز العمران التي تمر بها أو قد تبقى بعض أتربتها الناعمة عالقة بالجو لفترات طويلة، ومن الثابت أن الهواء الملوث بمثل هذه الأتربة له علاقه قوية ببعض أمراض العيون مثل التراخوما وبعض الأمراض وبعض الأمراض الصدرية وأمراض الحساسية مثل الربو.
التلوث البشري للهواء:
إن تلوث الهواء بواسطة الإنسان نفسه يحدث بسبب نشاطاته المتنوعة في مجالات حياته المختلفة، وأهم مسبباته هي: النمو الحضرى والنشاط الصناعي والنشاط النووي واستخدام المبيدات الحشرية.