شاب من ضحايا رفقاء السوء ، كانت له صولات وجولات في عالم الضياع والمخدرات ، حدثت في حياته حادثة أيقظته من غفلته ، وأعادته إلى خالقه ، التقيت به في أحد مساجد الرياض ، فحدثني عن قصته ، فقال:
نشأت في بيت متدين جداً ، في حي من أحياء مدينة الرياض ، والدي رحمه الله كان شديد التدين ، فلم يكن يسمح بدخول شيء من آلات اللهو والفساد إلى البيت.
ومضت الأيام ، وتجاوزت مرحلة الطفولة البريئة ، ولما بلغت الرابعة عشرة من عمري ـ وكنت في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة ـ حدث في حياتي حادث كان سبباً في تعاستي وشقائي فترة من الزمن ، فقد تعرفت على "شلة" من رفقاء السوء ، فكانوا ينتظرون الفرصة المناسبة لإيقاعي في شباكهم.
* وجاءت الفرصة المناسبة ، فترة الامتحانات ، فجاءوني بحبوب بيضاء منبهة ، فكنت أسهر عددا من الليالي المتواليات في المذاكرة دون أن يغلبني نعاسٌ ، أو أشعر بحاجة إلى نوم ، وانتهت الامتحانات ، ونجحت بتفوق!!
وبعد الامتحانات داومت على تعاطي هذه الحبوب البيضاء ، فأرهقني السهر ، وتعبت تعبا شديدا ، فجاءني أولئك "الشياطين" ، وقدموا لي في هذه المرة حبوباً حمراء (مخدرات) ، وقالوا لي : إنها تطرد عني السهر وتجلب لي النوم والراحة ، ولم أكن ـ لصغر سني ـ أدرك حقيقة هذه اللعبة! وهذا التآمر وهذا المكر الخبيث من هؤلاء الشياطين . . . شياطين الإنس.
* أخذت أتعاطى هذه الحبوب الحمراء يومياً ، وبالعشرات ، وبقيت على هذه الحال ثلاث سنوات تقريباً أو أكثر ، وفشلت في دراستي ، ولم أتمكن من إتمام المرحلة المتوسطة من الدراسة والحصول على الشهادة ، فصرت أتنقل من مدرسة إلى مدرسة علي أحصل عليها ، ولكن دون جدوى ، وبعد هذا الفشل الذريع الذي كان سببه هذه الحبوب المشؤومة فكرت في الانتقال إلى مدينة أخرى حيث يقيم عمي وأولاده في محاولة أخيرة لإتمام الدراسة.
* وفي ليلة من ليالي الشتاء ـ الباردة ـ وكان والدي قد اشترى سيارة جديدة . . . أخذت هذه السيارة دون علم والدي ، وتوجهت إلى تلك المدينة ، وكنت أحمل في جيبي كمية كبيرة من هذه الحبوب الحمراء.
وفي الطريق توقفت عند بعض الأصحاب ، وفي تلك الليلة أسرفت في تناول هذه الحبوب حتى أصبحت في وضع يرثى له.
*وقبيل الفجر ركبت السيارة وانطلقت في طريقي، وما هي إلا دقائق حتى غبت عن الدنيا ولم أفق إلا وأنا في المستشفى في حالة سيئة ، قد كسرت ساقي اليمنى وأصبت بجروح كثيرة بعد أن مكثت في غرفة الإنعاش ثمان وأربعين ساعة . فقد كان حادثاً شنيعاً ، حيث دخلت بسيارتي تحت سيارة نقل كبيرة ، ومن رحمة الله بي أن كتب لي الحياة ، ومنحني فرصة جديدة ، لعلي أتوب وأقلع عما أنا فيه ، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث .
نقلت من المستشفى إلى بيت والدي بالرياض ، وفي البيت كنت أتعاطى هذه الحبوب النكدة.
قد تسألني وتقول : كيف تحصل على هذه الحبوب وأنت على فراش المرض ؟!
فأقول : لقد كان أولئك الشياطين يأتون إليّ في البيت فيعرضون عليّ بضاعتهم ، فأشتري منهم ، بالرغم من حالتي السيئة.
بقيت على هذه الحال أياماً ، حتى أحسست بتحسن بسيط ، وكانت فكرة السفر تراودني حتى تلك اللحظة أملا في إكمال دراستي المتوسطة.
* وفي عصر أحد الأيام ، وبعد أن تناولت كمية كبيرة من هذه الحبوب ، خرجت أتوكأ على عكازي ، وأخذت أبحث عن سيارة تنقلني إلى تلك المدينة ، حاولت أن أوقف عددا من سيارات الأجرة واستأجرت سيارة أوصلتني إلى هناك .
وهناك ، بادرت بالتسجيل في إحدى المدارس المتوسطة بعد جهود بذلها عمي وغيره في قبولي ، وحصلت على شهادة الكفاءة ، وكنت أثناء الدراسة مستمرا على تعاطي المسكرات ، إلا أنني تركت المخدرات ووقعت في الشراب ( الخمر ) ، وفي الوقت نفسه كنت أقوم بترويج الحبوب الحمراء ، وبيعها بسعر مضاعف ، ولم أكن أدرك فداحة هذا الأمر وخطورته ، فقد كان همي جمع المال ـ أسأل الله أن يتوب عليّ ـ .
* ثم وقعت بعد ذلك في الحشيش وأدمنته ، وكنت أتعاطاه عن طريق التدخين ، فكنت أذهب إلى المدرسة وأنا في حالة هستيرية ، فأرى الناس من حولي كأنهم ذباب أو حشرات صغيرة ، لكني لم أكن أتعرض لأحد ، لأن الذي يتعاطى هذا البلاء يكون جباناً يخاف من كل شيء .
بقيت على هذه الحال سنتين تقريباً، وكنت آنذاك أسكن بمفردي في بيت يقع في مكان ناء في طرف البلد.
* وفي يوم من الأيام جاءني اثنان من شياطين الإنس الذين أعرفهم ـ وكان أحدهما متزوجاً ـ فأوقفت سيارتي وركبت معهم ، وكان ذلك بعد صلاة العصر ، فأخذنا ندور وندور في شوارع البلد.
وبعد جولة دامت عدة ساعات أوقفوني عند سيارتي ، فركبتها واتجهت إلى البيت ، فلم أستطع الوصول إليه ، فقد كنت في حالة سكر شديد.
ظللت مدة ساعتين أو أكثر أبحث عن البيت فلم أجده!!
وفي نهاية المطاف وبعد جهد جهيد وجدته . . فلما رأيته فرحت فرحاً شديداً ، فلما هممت بالنزول من السيارة أحسست بألم شديد جداً في قلبي ، وبصعوبة بالغة نزلت ودخلت البيت ، وفي تلك اللحظات تذكرت الموت.
نعم ، والله أيها الأخوة لقد تذكرت الموت وكأنه أمامي يريد أن يهجم عليّ ، ورأيت أشياء عجيبة أعجز عن وصفها الآن ، فقمت مسرعاً ومن غير شعور ، ودخلت دورة المياه وتوضأت ، وبعد خروجي من الدورة عدت وتوضأت ثانية . . ثم أسرعت إلى إحدى الغرف وكبرت ودخلت في الصلاة ، وأتذكر أنني قرأت في الركعة الأولى بالفاتحة ، و ( قل هو الله أحد ) ولا أتذكر ما قرأته في الركعة الثانية .
المهم أنني أديت تلك الصلاة بسرعة شديدة قبل أن أموت !!
وألقيت بنفسي على الأرض ، على جنبي الأيسر ، واستلمت للموت فتذكرت في تلك اللحظات أنني سمعت أن الميت من الأفضل أن يوضع على جنبه الأيمن ، فتحولت إلى الجنب الأيمن ، وأنا أحس بأن شيئاً ما يهز كياني هزاً عنيفاً.
ومرت في خاطري صور متلاحقة من سجل حياتي الحافل بالضياع والمجون ، وأيقنت أن روحي قد أوشكت على الخروج.
* ومرت لحظات كنت أنتظر فيها الموت ، وفجأة ، حركت قدمي فتحركت ، ففرحت بذلك فرحاً شديداً ، ورأيت بصيصاً من الأمل يشع من بين تلك الظلمات الحالكة ، فقمت مسرعاً وخرجت من البيت وركبت سيارتي ، وتوجهت إلى بيت عمي.
دفعت الباب ودخلت ، فوجدتهم مجتمعين يتناولون طعام العشاء ، فألقيت بنفسي بينهم .
فقام عمي فزعاً وسألني : ما بك ؟!!
فقلت له : إن قلبي يؤلمني.
فقام أحد أبناء عمي ، وأخذني إلى المستشفى ، وفي الطريق أخبرته بحالي وأنني قد أسرفت في تعاطي ذلك البلاء ، وطلبت منه أن يذهب بي إلى طبيب يعرفه ، فذهب بي إلى مستوصف أهلي ، فلما كشف عليّ الطبيب وجد حالتي في غاية السوء ، حيث بلغت نسبة الكحول في جسمي 94%! فامتنع عن علاجي ، وقال : لابد من حضور رجال الشرطة ، وبعد محاولات مستمرة وإلحاح شديد وإغراءات وافق على علاجي ، فقاموا بتخطيط للقلب ثم بدأوا بعلاجي.
كان والدي في ذلك الوقت موجودا في تلك المدينة ، فلما علم أني في المستشفى جاء ليزورني ، وقد رأيته وقف فوق رأسي ، فلما شم رائحتي ضاق صدره فخرج ولم يتكلم.
أمضيت ليلة تحت العلاج ، وقبل خروجي نصحني الطبيب بالابتعاد عن المخدرات وأخبرني بأن حالتي سيئة جداً.
وخرجت من المستشفى ، وأحسست بأني قد منحت حياة أخرى جديدة ، وأراد الله بي خيراً ، فكنت فيما بعد كلما شممت رائحة الحشيش أصابني مثل ما أصابني في تلك الليلة وتذكرت الموت ، فأطفئ السيجارة ، وكنت كلما نمت بالليل أشعر بأن أحدا يوقظني ويقول لي : قم ، فأستيقظ وأنا أنتفض من الخوف ، فأتذكر الموت والجنة والنار والقبر ، كما كنت أتذكر صاحبين لي من رفقاء السوء لقيا حتفهما قبل وقت قصير ، فأخاف أن يكون مصيري كمصيرهما ، فكنت أقوم آخر الليل فأصلي ركعتين ـ ولم أكن أعرف صلاة الوتر في ذلك الحين ـ ثم بدأت أحافظ على الصلوات المفروضة ، وكنت كلما شممت رائحة الحشيش أو الدخان أتذكر الموت فأتركهما.
وبقيت على هذه الحال أربعة أشهر أو أكثر حتى قيض الله لي أحد الشباب الصالحين فالتقطني من بين أولئك الأشرار ، وأخذني معه إلى مكة المكرمة لأداء العمرة ، وبعدها ولله الحمد تبت إلى الله وعدت إليه.
ونصيحتي للشباب المسلم أن يحذروا كل الحذر شياطين الإنس ، ورفقاء السوء ، الذين كانوا سبباً في شقائي وتعاستي سنوات طويلة ، ولولا رأفة الله ورحمته حيث أنقذني من بين أيديهم لكنت من الخاسرين.
وأسأل الله أن يتوب عليّ وعلى جميع المذنبين والعاصين إنه تواب رحيم