قصيدة جويدة الجديدة سبقتها مقدمة نثرية للشاعر الكبير قال فيها "هذه صرخة الشهداء خرجت من سيناء وطافت بالجزائر تعلن العصيان على كل ما حدث بين شعبين شقيقين جمعتهما الدماء ولا ينبغي أن تفرق بينهما الصغائر".
وتقول القصيدة التي نشرتها الأهرام يوم الجمعة 20 نوفمبر:
شهيد على صدر سيناء يبكي
ويدعو شهيدا بقلب الجزائـــر
تعالّ إليّ ففي القلب شكـــوى
وبين الجــــوانح حزن يكــــابر
لماذا تهون دماء الرجــــــال
ويخبو مع القهر عزم الضمائر
دماء توارت كنبض القلوب
ليعلو عليها ضجيج الصغائــــر
إذا الفجر أصبح طيفـا بعيــدا
تـباع الدماء بسوق الحناجـــــــر
على أرض سيناء يعلو نــداء
يكبر للصبـــح فوق المنابـــــــر
وفي ظلمة الليل يغفو ضيـاء
يجيء ويغدو.. كألعـاب ساحــر
لماذا نسيتــم دماء الرجــــــــال
على وجه سينا.. وعين الجزائر؟!
على أرض سينــاء يبدو شهيـد
يطوف حزينـا.. مع الراحليـــن
ويصرخ في النــاس: هذا حرام
دمانا تضيــــــع مع العابثيــــــن
فهذي الملاعب عزف جميــــل
وليســــت حروبا على المعتدين
نحب من الخيل بعض الصهيل
ونعشـــــق فيها الجمال الضنين
ونطرب حين يغني الصغــــار
علي ضوء فجر شجي الحنيـــن
فبعض الملاعب عشق الكبــــار
وفيها نداعب حلــــم البنيــــــــن
لماذا نراها سيوفــــــا وحربـــــا
تعالــــوا نراها كنـاي حزيــــــن
فلا النصر يعني اقتتال الرفــــاق
ولا في الخســارة عار مشـــــين
على أرض سيناء دم ونـــــــــار
وفوق الجزائر تبكــي الهــــــمم
هنا كان بالأمس صوت الرجال
يهز الشـعــوب.. ويحيـي الأمم
شهيدان طافا بأرض العروبـة
غنى العـــراق بأغلى نغــــــــــم
شهيد يؤذن بيــــن الحجيـــــــج
وآخر يصرخ فوق الهــــــــرم
لقد جمعتنا دمـاء القـلــــــــــوب
فكيف افترقـــــنا بهزل القــــــدم؟!
وما زال يصرخ بين الجمــوع
قم اقــــرأ كتـابك وحـي القلــــــم
على صدر سيناء وجه عنيــد
شـــهيد يعانق طيـــــــف العلـــــــم
وفوق الجزائر نبض حزيـــن
يداري الدمــوع ويخفي الألـــــــم
تعالـوا لنجمع ما قد تبقــــــــى
فشــر الخطــايا سفيـــــــــه حكــــــم
ولم يبقَ غير عويل الذئـــاب
يطـــــارد في الليل ركـــب الغنــــــــم!
رضيتم مع الفقر بؤس الحياة
وذل الهــــــوان ويـــأس النـــــــدم
ففي كل وجه شظايا همــــــوم
وفي كل عيـــن يئن الســــــــــــــأم
إذا كان فيكم شموخ قديـــــــم
فكيف ارتــــــضيتم حــياة الـــــــــرمم؟!
تنامون حتى يموت الصبـــاح
وتبكون حتى يثور العــــــــــدم
شهيد على صدر سيناء يبكي
وفوق الجزائر يسري الغضـب
هنا جمعتنا دمـاء الرجـــــــال
فهل فرقتنا' غنــــــاوي' اللعـــب
وبئس الزمـان إذا ما استكـــان
تسـاوى الرخيص بحرّ الذهـــــب
هنا كان مجــد.. وأطلال ذكـــرى
وشـعب عـريق يسمـى العـــــرب
ويا ويلهــم.. بعــد ماضٍ عــريـق
يبيعون زيفـا بســــوق الكـــــــــــذب
ومنذ استكانوا لقهر الطغــــــاة
هنا من تـوارى.. هنا من هـرب
شعوب رأت في العويل انتصارا
فخاضت حروبا.. بسيف الخطب
على آخر الدرب يبدو شهيــــــد
يعانــق بالدمــــــع كل الرفــــــاق
أتـوا يحملون زمانــــــا قديمـــــا
لحلـــم غفا مرة.. واستفـــــــاق
فوحد أرضا.. وأغنى شعوبــــــا
وأخرجها من جحـور الشـقـــــــاق
فهذا أتي من عيون الخليـــــل
وهذا أتى من نخيل العـــــــراق
وهذا يعانق أطـــلال غــــــزة
يعلو نداء.. يطــول العنـــــــــاق
فكيف تشرد حلم بــــــــريء
لنحيـــا مـــرارة هذا السبـــــــاق؟
ويا ويل أرض أذلـت شموخـا
لترفـــع بالزيــف وجه النفــاق
شهيد مع الفجر صلى.. ونادى
وصاح: أفيقوا كفـــــاكم فســــادا
لقد شردتكم همــوم الحيـــــاة
وحين طغى القهر فيكم.. تمادى
وحين رضيتم سكـون القبــور
شبعتم ضياعا.. وزادوا عنادا
وكم فارق الناس صبح عنيـــد
وفي آخر الليل أغفى.. وعادا
وطال بنا النوم عمرا طويــــلا
وما زادنا النـوم.. إلا سهــــادا
على صدر سيناء يبكي شهيـــد
وآخر يصرخ فـــوق الجزائـــر
هنا كان بالأمس شعــب يثـــور
وأرض تضجّ.. ومجــــــد يفاخــــــر
هنا كان بالأمس صوت الشهيد
يزلزل أرضا.. ويحمي المصائر
ينام الصغير على نار حقــــــــد
فمن أرضع الطفل هذي الكبائر؟!
ومن علم الشعب أن الحــــروب
"كـرات" تطير.. وشعب يقـامر؟!
ومن علّم الأرض أن الدماء
تراب يجف.. وحــزن يسافـــــــر
ومن علم الناس أن البطولـــــــة
شعب يباع.. وحكم يتــــــاجر؟!
وأن العروش.. عروش الطغاة
بلاد تئن.. وقهر يجـــــــاهر
وكنا نـباهي بدم الشهيــــــــــــــد
فصرنا نباهي بقصف الحناجر!
إذا ما التقينــــــا على أي أرض
فليس لنا غير صدق المشاعر
سيبقى أخي رغم هذا الصـــراخ
يلملم في الليل وجهي المهاجر
عدوي عدوي.. فلا تخــدعوني
بوجه تخفـي بمليون ساتــــــر
فخلـــف الحـــــــدود عـــدو لئيــم
إذا ما غفونا تطل الخناجـــــر
فلا تتـــركوا فتنـة العابثيـــــــــن
تشـوه عمرا نقي الضمائــــــر
ولا تغرسوا في قلــوب الصغــار
خرابا وخوفا لتعمي البصــــائر
أنا من سنين أحـــب الجـــــزائـــر
ترابا وأرضا.. وشعبـــا يغامـــر
أحب الدمــاء التي حررتــــــــــه
أحب الشموخ.. ونبل السرائر
ومصر العريقة فوق العتـــــــاب
وأكبر من كل هذي الصغــــائر
أخي سوف تبقى ضميري وسيفي
فصبر جميل.. فللــيـــل آخــر
إذا كان في الكون شيء جميـــــل
فأجمل ما فيه.. نيل.. وشاعر