وقال تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون* خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين* والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم* والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون* وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين* هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون* ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون* وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذل لآيات لقوم يعقلون* وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون* وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبلغوا من فضله ولعلكم تشكرون* وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون* وعلامات وبالنجم هو يهتدون* أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون* وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم* والله يعلم ما تسرون وما تعلنون* والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهو يخلقون* أموات غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون* إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} (النحل:3-22)
وهكذا فإن الرب الإله سبحانه وتعالى هو الذي خلق السموات والأرض وما فيهما، وجعل جميع العالمين ممن أسكنهم السموات والأرض (الملائكة والجن والإنس، والطير، والوحش) كلها فقيرة محتاجة إلى إلهها وخالقها إذ هو المتكفل وحده سبحانه وتعالى بإيجادها وإحيائها، وموتها ورزقها، وهو العليم بها الذي لا يغيب عنه صغير ولا كبير من أمرها. قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}
وقال تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}
خلق الله الخلق لحكم عظيمة ومنها أن يعبدوه وحده لا شريك له:
وقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا الخلق الذي لا يحصيه غيره، ولا يحيط به علماً سواه لحكمة عظيمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، ومن ذلك ما أخبرنا به جل وعلا وهو أن يعبده وحده لا شريك له ونسبحه وننزهه، ونقدسه، ونحمده، وأخبرنا أنه يحب ذلك وأنه لا يرضى من عباده سواه. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}
وقال تعالى: {أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم، ومن يدع مع الله إلهاً آخر فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}
وقال تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل}
وقال تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذي آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}
وقال تعالى: {وما خلقنا السمات والأرض وما بينهما لاعبين، ولو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين}
وقال تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون، إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} (الدخان:38-40)
الله غني عن خلقه أجمعين والمخلوقات كلها فقيرة إليه:
والرب الإله الواحد سبحانه وتعالى غني عن خلقه كلهم فلا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته لا إلى عرشه ولا إلى كرسيه ولا ملائكته ولا الجن والإنس ولا السموات والأرض بل هو الغني سبحانه وتعالى عن كل ما سواه، الحي القيوم الذي لا يؤوده شيء، ولا يصيبه نصب ولا لغوب، ولا يكرثه أمر، ولا يعجزه شيء وكل المخلوقات في حاجة إليه إذ هو سبحانه وتعالى خالقها ومدبر شؤونها، ومقيمها حيث تقوم ومزيلها كيفما يشاء، ووقتما يشاء، وهو الذي أعطى كل شيء قدره ومقداره، وحده وأركانه وتصرفه وبقاءه، وهو الذي يملك فناءه وزواله لا إله غيره، ولا رب سواه.
والعبادة التي خلق الله الخلق من أجلها لا تنفعه كما أن معصية العصاة لا تضره، ولا يستطيع أحد أن يزيد في ملك الله شيئاً ولو ذرة، ولا أن ينقص من ملكه شيئاً، ولو ذرة واحدة.
ولا يبلغ أحد من خلق الله نفع الله فينفعه، ولا ضر لله فيضره [يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا أخري فتضروني].
الرسل جميعاً من أجل هذه الرسالة:
ومن أجل هذه المهمة أرسل الله الرسل. قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} والطاغوت هو كل من عبد من دون الله راضياً بذلك، مريداً لذلك، ورأس الطواغيت هو إبليس الملعون وذريته الداعين الناس إلى معصية الله، وعبادة الأصنام والآلهة الباطلة، والأصنام طواغيت.
وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن عباد الطواغيت هم وآلهتهم التي عبدوها يلقون جميعاً في النار: العابد والمعبود. قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون}
وأما الذين عبدوا من دون الله بغير رضاهم كعيسى ابن مريم عليه السلام، وأمه عليها السلام، فإنهم مبرءون من الإثم، مبعدون من النار وذلك أن الذين عبدوهم قد عبدوهم بغير رضاهم، فإن عيسى لم يطلب من عابديه أن يعبدوه بل ما أمرهم إلا ليعبدوا الله وحده لا شريك له، وأخبرهم أنه عبد الله وليس إبناً لله، وأن الأمر كله والخلق كله لله، وأنه ليس له مع الله أمر أو شركة، ولذلك يبكت من عبدوا عيسى عليه السلام يوم القيامة ويفضحون على رؤوس الأشهاد، ويظهر لكل الناس في الموقف العظيم يوم القيامة أنهم كانوا كاذبين في ادعائهم أن عيسى إن الله وأنه إله كامل من إله كامل يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويدخل الجنة،ويدخل النار، ويدين الأحياء والأموات، ويجلس يوم القيامة على يمين أبيه ليدين الخلق ويحاسبهم. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً أن يكون له ولد أو أن يكون معه إله...
وقد قص الله سبحانه وتعالى علينا في القرآن كيف ستكون الندامة الكبرى يوم القيامة لمن عبدوا المسيح ابن مريم فقال الله سبحانه وتعالى: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب* إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين* وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون* إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين* قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} (المائدة:109-113)
وهكذا يظهر للجميع كذب من قال إن عيسى هو ابن الله إله من إله، يخلق ويرزق ويحيي ويميت، ويدين الأحياء والأموات، وأنه يعبد كما يعبد الله، وهذه أكبر كذبة في الأرض، وقد صدقها الملايين من البشر بعد الملايين، وعاشت عليها أجيال وقتل في سبيلها خلق لا يحصيهم إلا الله، وأنفق في سبيل نشرها وترويجها أموال لا يحصيها إلا الله وذلك منذ ظهرت هذه الكذبة قبل نحو ألفي عام وإلى يومنا هذا فسبحان من يضل من يشاء ويهدي من يشاء والعجب أن الذي افتروا هذه الكذبة الكبيرة لم يستطيعوا أن يقيموا عليها دليلاً عقلياً واحداً، ولا عندهم بها إثارة علم، فكيف يعقل أن يكون بشر مولود من رحم امرأة يأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينام ويمرض ويجوع ويعطش ويتألم إلهاً خالقاً للكون رازقاً للبشر متصرفاً في العباد!!
والعجب أن الذين افتروا هذه الفرية وأصموا آذانهم عن سماع الحق من قول عيسى نفسه، ومن قول الذين آمنوا به حقاً وصدقاً ومن قول الرسول الخاتم المبعوث بالرسالة الخاتمة إلى الناس أجمعين، ومثيل ذلك وبعده من قول رب العالمين وإله الخلق أجمعين الذي أنزل في التوراة والإنجيل والقرآن أنه الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه وأنه لم يتخذ قط صاحبة ولا ولداً، والعجب أن يصموا آذانهم عن كل ذلك ويغلقوا أعينهم عن رؤية الحق، ولا يفتحوها إلا يوم القيامة حيث لا ينفعهم عند ذلك السمع والبصر قال تعالى: {اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين}
والمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة!! عندما يقفون بين يدي الله الرب الإله الواحد سبحانه وتعالى حيث يعلمون علم اليقين أنه لا إله هو، وأنه لم يكن له ولد أو كان معه إله غيره... ولكن هؤلاء الظالمين الذين لا يقحمون آذانهم وأعينهم إلا يوم القيامة قد كانوا في ضلالهم سادرين غافلين، مكابرين مصرين في الدنيا. قال تعالى حاكياً حال هؤلاء الضلال في الدنيا والآخرة: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون* ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون* وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراطي مستقيم* فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم* اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين* وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون* إن نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} (مريم:34-40)
لا إله إلا الله أظهر الحقائق على الإطلاق وأكثر الحقائق تكذيباً على الإطلاق:
كون أن الله سبحانه وتعالى هو الإله الحق الذي لا إله إلا هو هي أعظم الحقائق ظهوراً فبراهين هذه الحقيقة وأدلتها لا يمكن حصرها، ولا يستطيع أحد عدها، ومع ذلك فلا يوجد حقيقة حصل لها من التكذيب ووقع فيها من الضلال والعناد ما وقع في هذه الحقيقة.
فإن عامة البشر إلا القليل منهم مكذب في هذا الأمر أو ضال، وقليل من العباد من هداهم الله إلى شهادة أنه سبحانه الإله الواحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد والذي لا إله غيره، ولا رب سواه، ولكن عامة الإنس والجن مكذبون جاحدون ضالون عن هذه الحقيقة فسبحان من له الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وسبحان من هدى من شاء إلى معرفته وطاعة وعبادته، وأضل من شاء فأصمه وأعمى بصره.
وسبحان الله القائل: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} (الأعراف:179)
والحمد لله رب العالمين،،
***********