الحمد لله رب
العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه
، حمدا يوافي نعمه جل جلاله ويكافئ مزيده والصلاة والسلام على سيد
المرسلين المبعوث رحمة للعالمين نعمة من الله تعالى على عباده المؤمنين
وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين وبعد :ـ
فإن من عجائب هذا الإنسان ومن طبائعه التي لا تختلف من زمان لآخر ومن مكان
لآخر أنه إذا أنعم الله تعالى عليه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ظل غافلا
بعيدا قليل الشكر معرضا عمن أنعم عليه إلا من رحم ربي ، وفي مقابل ذلك إذا
أصابه ضر أو سوء لجأ إلى الله شاكيا و باكيا متضرعا ومبتهلا حتى يرفع الله
عنه ما مسه من ضر فما يلبث أن يعود لسالف عهده من الإعراض والغفلة وبهذا
كانت سنة الله ماضية بالبشر وسطرها ربنا في كتابه العزيز فقال تعالى ((
وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ))
كما أن الإنسان لا يحسب عدد النعم التي أنعمها الله تعالى عليه بكل أحواله
وأوضاعه غير أنه شديد الإنتباه وقوي الذاكرة ليحصي الأمور المكروهة له حتى
أنه لا يفوت مصيبة أو ضر مسه منذ سنين.
إخوة الإسلام : ينبغي على المسلم أن يكون حريصا على شكر الله على نعمه
بعيدا عن الإعتراض على أقدار الله تعالى، فالمسلم الحق لا بد له أن يتميز
عن غيره من الناس والعوام الذين لا يحللون ولا يحرمون إلا بالمصائب
والنوازل التي تلم بهم .
فلو جاء أحدنا ليحصي النعم التي أنعم الله تعالى بها عليه ماذا سيجد ؟!
فهل نعمة أكبر من نعمة الإسلام التي هدانا الله تعالى إليها فأكرمنا بها
في الدنيا ونجانا بها في الآخرة ، فكفى بنعمة الإسلام أنها جامعة للقلوب
مؤلفة لها ، تفرض على كل مسلم أن يشعر بأخيه بل لا يكتمل إيمانه حتى يحب
لأخيه ما يتمناه لنفسه مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن
أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) وهذه هي النعمة الني ذكر الله تعالى
بها أوائل المسلمين الذين كانوا أعداء متصارعين متناحرين فجمعهم الله على
الإسلام ووحد كلمتهم حتى أصبحوا أسياد العالم فقال تعالى ((واذكروا نعمة
الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )).
أيها المسلمون : في الوقت الذي يسجد فيه صنف من البشر للبقر وللحجر
ويقدسون النار والبهائم والجبال والأصنام , تجد المسلم يرتقي بعقله ويسمو
بفكره بنعمة الإسلام فلا طاعة إلا لله تعالى ومن أمر بطاعتهم دون معصيته
جل جلاله.
فبالله عليكم أخوة الإسلام أي عز بعد عز الإسلام الذي يجعل العبد الضعيف
الفقير والأمي والمتعلم والصغير والكبير كلهم عند الله سواء حاكم أو محكوم
رجل أو امرأة شريف أو ضعيف؛ ميزان التفاضل بينهم التقوى فقال تعالى (( يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم )) فلا يوجد في الإسلام من يدعي الخصوصية بالعلاقة
مع الله تعالى حتى يحرم على الناس ما أحل الله لهم أو يحلل لهم المحرمات
فلا رهبانية ولا كهنونية بل يستطيع كل مسلم مهما بلغت درجته ، أن يكون
وليا من أولياء الله تعالى بتحقيق أمرين اثنين أولهما الإيمان وثانيهما
التقوى فقال تعالى (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الذين
آمنوا وكانوا يتقون )) فكل مؤمن تقي هو ولي من أولياء الله وليس بحاجة
لدرجة أو شهادة من أحد فالعلاقة في الإسلام بين العبد وخالقه مباشرة
وموصولة دون وساطة أو تمييز ومن هنا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (( رب
أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )) .
عباد ا0لله : إن الحديث عن نعمة الله بالإسلام وفضلها يطول ويطول فلا يعلم
قدر هذه النعمة إلا الذي فقدها وتاه في دهاليز الذل والظلم والجور وضيق
الآخرين فنحمد الله تعالى أن عافانا مما ابتلى به كثيرمن خلقه وأن جعلنا
من المسلمين.
أيها المسلمون : كثير من الناس من يحصر نعم الله عليه فقط بالأمور
المالية والمادية متجاوزا كثيرا من النعم التي لا يعلم قيمتها فالله
سبحانه وتعالى أنعم علينا من النعم التي لا تقيم ولا تقدر فقال جل جلاله
(( وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ))؛
يحكى أن رجلا جاء يشتكي فقره لأحد العلماء فقال العالم هل تبيع بصرك بمائة
ألف فقال لا فقال هل تبيع سمعك بمائة الف قال لا فقال هل تبيع عقلك بمائة
ألف فأجاب بلا فقال العالم كيف تشكوا الفقر وأنت تملك مئات الآلاف 0 فلا
ينبغي على المسلم أن يكون ممن انطبق عليه قول الله تعالى (( أ فبالباطل
يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون )) أو كما أخبر الله تعالى عن الكافرين فقال
(( يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون )).
إخوة الإسلام : في الوقت الذي ينعم فيه كثير من المسلمين بالأمن والأمان
يعيش الواحد منهم بين أفراد أسرته في بيته آمنا مطمئنا ثم يشكوا بعد ذلك
الضر والضيق أما نظر هؤلاء لحال الكثيرين من أبناء المسلمين أما يرون
هؤلاء أخوة لهم في فلسطين مهدمة بيوتهم لا يجدون من يعيلهم لا يكادون
يجدون قوت يومهم فالمعيل إما شهيد أو معتقل أو مطارد.
فمَن لهؤلاء المعذبين يشعر بالعناء الذي يعانون أما علم الذين يقيمون
الدنيا ولا يقعدونها إذا انقطع لحم الضأن أن إخوانهم في كثير من بلاد
المسلمين لهم من المصائب وفقدان النعم مالا يعلم شدته إلا الله سبحانه وما
حال أهل العراق وأهل أفغانستان وأهل كشمير والشيشان ناهيك عن مصاب أهل
فلسطين إلا شاهد وشهيد والله المستعان؛ وهل تقبل لمن علم بحالهم وحال
أمثالهم طاعة أو عبادة فضلا أن يشتكي قلة النعم ؛ أما سمعنا قول النبي صلى
الله عليه وسلم (( أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة
الله )) فيا أيها المسلمون إن الاستمرار في خذلان المسلمين والمستضعفين
كفيل بأن يزيل نعمة الله تعالى عمن فعل ذلك ؛ واسمع قول الله تعالى (( ذلك
بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) والله
سبحانه وتعالى هو الذي قال (( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي
لشديد )) فلا بد لكل مسلم أن يهتم بأمر المسلمين وأن يبحث عن حاجاتهم من
موقعه ويذود عنهم من مكانه ويعزز صمودهم بالوسيلة الممكنة وهذا هو الشكر
الواجب لنعم الله تعالى الذي أمر به فقال (( فكلوا مما رزقكم الله حلالا
طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون )) والنبي صلى الله عليه وسلم
قال ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)) .
عباد الله إن شكر الله تعالى نعمه وعدم الكفر بهذه النعم كفيل بأن ينجّي
الناس من العذاب ويدفعه عنهم فقد أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال ((
إنا أرسلنا عليهم صاحبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي
من شكر)) وخلاف ذلك هو الذي يجلب العذاب والدمار والويلات للأمة التي لا
تحسن التعامل مع الله تعالى وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الحكيم فقال
(( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان
فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )).
اخوة الإسلام : لا بد للعبد الذي أنعم الله تعالى عليه أن يظهر عليه آثار
نعمة الله وأن يحدث بذلك دون بطر أو كبرياء فقال تعالى (( وأما بنعمة ربك
فحدث)) وقال صلى الله عليه وسلم(( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على
عبده)) وهذا يكون دون إسراف أو تبذير أو مخيلة وهذا كان دعاء الأنبياء
والصالحين إلى يوم الدين فهم الذين قال الله تعالى على لسانهم في كتابه ((
قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا
ترضاه واصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين )) فالشكر لله
تعالى هو الطريق الوحيد لدوام النعم وزيادتها ولكي يعلم الواحد منا مقدار
الفضل الذي أفضله الله تعالى عليه لينظر إلى حال المسلمين من حوله وليتتبع
معيشتهم ثم ليحمد الله تعالى قولا وفعلا ، قولا بلسانه وفعلا بمساندة
إخوانه واسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم (( من أصبح منكم آمنا في سربه
معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )) ولقد كان
لنا في سلفنا الصالح عليهم رضوان الله تعالى أفضل الأمثلة فهذا أبو بكر
الصديق رضي الله عنه أخذ يعتق من ضعاف المسلمين بماله حتى لامه أبوه على
ذلك وقال له إن كنت فاعلا ولا بد فأعتق الأقوياء وذوي الشأن حتى ينفعوك إن
احتجت لمساعدة فما استجاب لقول أبيه لأنه كان يقدم لله تعالى فأنزل الله
تعالى فيه قرءانا يتلى إلى يوم القيامة فقال (( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي
ماله يتزكى وما لأحد من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى
)) ومن قبله رسولنا عليه الصلاة والسلام عبد الله حتى تفطرت قدماه فقالت
له عائشة يا رسول الله ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال
عليه الصلاة والسلام (( أفلا أكون عبدا شكورا )).
عباد الله لنا في رسول الله أسوة حسنة فلينظر كل واحد منا إلى نعم الله
عليه ولينظر لمن دونه في الدنيا فليحمد الله ولينظر لمن هو أعلى منه في
أمور الدين فليحاول اللحاق به كما قال تعالى (( وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون )) فعندك أخي في الله من نعم الله ما لا يمكن احصاؤه ولا عده
ابتداء من خلقك وتكوينك إلى تسخير الكون لك مرورا بالنعم الأخرى التي على
رأسها كما أسلفنا نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة .
فاجتهد أخي في الله في حياتك واغتنم الفرص التي وفرها الله تعالى لك ولا
تكن مغبونا أو مخدوعا فالشباب والصحة والفراغ والقوة والغنى والعمر
والطمأنينة والمسكن والملبس وغيرها وغيرها نعم من المنان جل في علاه احمد
الله عليها ولا تنس المحرومين منها حتى تعد من الشاكرين الذين يزيدهم الله
في الدنيا ويجزيهم بالآخرة فهو الجواد الكريم السميع العليم ولنصغي لنداء
الخالق جل جلاله (( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير
الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله هو فأنى تؤفكون )).
صدق الله العظيم ونفعنا الله بالقرآن العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .